عظم الله أجرك يا مكة إنا لله و إنا إليه راجعون ، دماء طاهرة سقت أرض الحرم في يوم جمعة فضيل و في وقت إجابة ، فهنيئاً لمن فاضت أرواحهم في هذا البلد الحرام و في هذا اليوم المبارك ، فالإبتلاء يكون حميداً حينما تموت في يوم جمعه على أطهر منسك و في أطهر بقاع الأرض و يطهر دمك المطر فما أجملها من خاتمة لمن نوا الحج وذهبوا ليتقربوا إلى الله ، فقد كانوا ضيوفاً لرحمن و الآن هم بجواره ، نالوا شرف الشهادة في سبيل الله من بيته المعظم و زفوا للجنان من أرض الحرم ، اللهم ارحم شهداء الحرم المكي و تقبلهم قبولاً حسناً مع الصديقين و الأبرار و اجعلهم في عليين و الهم أهلهم الصبر و السلوان ، فقد مات رجل في عهد الرسول ﷺ و هو مُحرم فقال عنه : ' إنه يبعث يوم القيامة مُلبياً ' و عن جابر - رضي الله عنه - قال : سمعت النبي ﷺ يقول : ' يبعث كل عبد على ما مات عليه ' فاللهم إبعثهم حجاجا ًعماراً طائفين عاكفين شاهدين لبيتك الحرام ، فقد اجتمع لهم شرف الزمان في في آخر ساعة من يوم الجمعة بالشهر الحرام و شرف المكان في الحرم المكي الشريف ، قال تعالى :( وَ لَا تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ وَ لَٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ (154) وَ لَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَاتِ ۗ وَ بَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ ۖ وَ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ) .. دعونا نفكر قليلاً في أسباب واقية لسقوط الرافعة البرجية في الحرم المكي الشريف و لنستعرض تحليل فني للحادثة للمستشار المهندس / جمال شقدار : ' لا يصح الحكم على مسببات سقوط الرافعة في الحرم المكي الشريف حتى تنتهي اللجنة العاجلة للتحقيق في المشكلة ، لكن مما يتضح للمراقب المختص من صور سقوط الرافعة البرجية أنها من النوع المتحرك و ليس المثبت على الأرض كبقية الرافعات حول الحرم التي لم تسقط .. و في العادة فإن هذه الرافعة البرجية 'الكرين المتحرك' يثبت بجنازير تحمله و معدات خاصة للأمن و السلامة ، و رغم أن هذا الكرين - حسبما أخبر مختصين في مجموعة المقاول - مصمم بتقنيات حديثة و هندسية في غاية الدقة و مصمم على تحمل سرعة رياح كبيرة جداً ، لكن ربما كان السبب الرئيسي لسقوط الرافعة حسب التحليل الفني هو وضع المقاول هذه الرافعة الذكية المتحركة في وضع الاقفال وقت هبوب الرياح و هذا خطأ واضح في أنظمة السلامة في المشاريع الكبرى ، لأن هذا النوع من الرافعات مصمم على معالجة حركة الرياح مهما كانت قوية طالما كان على وضع التشغيل .. لكنه فيما يبدو كان في وضع الاقفال و الكوابح الخاصة به تمنعه من الدوران الاتوماتيكي لمقاومة شدة الرياح و عمل توازن بين أذرعته المتعددة .
و كان المفترض حسب أنظمة السلامة قيام المقاول أثناء هبوب الرياح بعمل الإجراء المتعارف عليه و هو ما يسمى بإطلاق عمل الكوابح (release of the brakes ) حتى تكون الرافعة في وضع الدوران الممكن ، و لتكون في وضع سلس مع اتجاهات الرياح المختلفة و حتى تدور الرافعة حول نفسها دون أن يسبب الجزء الرئيسي منها أي مقاومة لحركة الرياح ، لأن هذه الرافعات ذكية و تعمل بالكمبيوتر بشكل كامل ' .
و هذا التحليل مقنع و منطقي من وجهة نظري و متوافق مع السبب الذي صرح به الديوان الملكي الذي نص على أن : ' سبب حادث سقوط رافعة الحرم هو تعرض الرافعة لرياح قوية و كونها في و ضعية خاطئة مخالفة لتعليمات التشغيل التصنيعية ' و هذا ينفي الشبهة الجنائية .
ثم جاءت أوامر الحزم فيصلاً حسمت الظنون فكان الأمر بمنع سفر جميع أعضاء مجموعة بن لادن لحين إنتهاء التحقيق مع إيقاف تصنيف مجموعة بن لادن السعودية و منعها من دخول أي مشاريع جديدة و صرف ( ٥٠ ) ألف ريال سعودي لكل مصاب بإصابة لم ينتج عنها إعاقة مستديمة و صرف مليون ريال سعودي لكل مصاب بإصابة بالغة نتج عنها إعاقة دائمة و صرف مليون ريال لكل ذوي شهيد و استضافة اثنين من ذوي كل متوفي من حجاج الخارج لحج هذا العام ( ١٤٣٧ هـ ) و التوجيه بمنح ذوي المصابين في المستشفيات تأشيرات زيارة خاصة و أخيراً تكليف وزارة المالية و الجهات المعنية عاجلاً بمراجعة جميع المشاريع التي تنفذها مجموعة بن لادن .
فبعد كل ما حدث هناك مقترح للمستقبل القريب يلوح في الأفق و هو تدريب العاملين بالمشاريع الحيوية على كيفية مواجهة الكوارث الطبيعية بمعنى أخر كيف يمكن التصرف بشكل سليم حين وقوع أي كارثة طبيعية و هذا الأمر من شأنه بإذن الله تخفيف الأضرار الواقعة مادياً و معنوياً ، فهو مقترح يتوافق مع قاعدة الأخذ بالأسباب فيمكن مثلاً توقع الكوارث الطبيعية التي يمكن أن تحدث خلال العام و يتم التدريب على كيفية التعامل مع كل كارثة بشكل منفصل و مُركَّز ، فمن الحكمة أخذ العِضة و العِبرة من الماضي و الحذر من تكرار ما حدث سابقاً في المستقبل لا سمح الله .
ختاماً أوصي نفسي و أوصيكم بدوام تِكرار هذا الدعاء : ' اللهم آمنا في أوطاننا و فرج الكُرب عنا و أصلح أئمتنا و ولاة أمورنا و اجعل و لايتنا في من خافك و اتقاك و اتبع رضاك يا رب العالمين '
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق