دول مجلس التعاون الخليجي كما هو معلوم للجميع ست دول و هي : ( السعودية ، الإمارات ، البحرين ، الكويت ، قطر و عُمان ) ، ست دول تشكل سوياً شجرة قوية ، متينة و شامخة جذورها ممتدة في الأرض و عروقها خضراء تصل عنان السماء .
في إتحادها دائماً و أبداً عِزة و كرامة ، و شعبها واحد و على قلب واحد ( خليجنا واحد و شعبنا واحد ) ، نعم كلنا إخوه .
دعوني اليوم أقص عليكم قصة سلطنة عُمان ، تلك الدولة الخضراء التي تسحر الألباب ، عُمان يا سادة يا كِرام من " أقدم الدول تاريخياً و فيها أقدم علامات الاستيطان البشري في المنطقة " و عُرفت على مر التاريخ بعدة أسماء و هي : ( مجان ، مزون و عُمان ) .
و " يعتقد أن مجان الواردة في الكتابات السومرية ( حضارة من حضارات بلاد الرافدين ) كانت تشير إلى عُمان و يُعتقد أيضاً أنها المنطقة من شمال عُمان و تشمل الإمارات العربية المتحدة اليوم و الغالب كونها وقت ذاك محطة وصل مهمة للقوافل التجارية حيث إرتبطت المنطقة بالنحاس و صناعة السفن ، و النحاس كان عنصراً مهماً لحضارات بلاد الرافدين قديماً.
فـ ( مجان ) تعني في الكتب السومرية القديمة : أرض النحاس ؛ و يعود ذلك لاشتهار عُمان قديماً بتصنيع النحاس و صهره و تجارته مع الحضارات الأخرى كما تعني أيضاً هيكل السفينة ؛ و يعود ذلك لاشتهارها قديماً بصناعة السفن .
و اختفت ( مجان ) من النصوص السومرية مبكراً حين سقطت سلالة أور الثالثة في العراق ( 1800 - 2000 ق.م ) " .
أما " ( مزون ) فمشتقة من ( مزن ) و ( مزن ) تعني : الغيمة الماطرة و تدل هذه التسمية على وفرة المياة قديماً في عُمان و هذا الاسم تعود تسميتهُ للفرس " .
كما " اختلفت الآراء في أصل تسمية ( عُمان ) فالبعض يرجعه إلى قبيلة عُمان القحطانية ، و البعض يأخذه من معنى الاستقرار و الإقامة ، فيقول ابن الإعرابي : العمن أي المقيمون في مكان ، يقال رجل عامن و عمون ، و منه اشتقت كلمة ( عُمان ) ، و يستطرد فيقول : أعمن الرجل أي دام على المقام بـ ( عُمان ) ، و قيل أن الازد سمت ( عُمان ) (عُمانا) لأن منازلهم كانت على واد لهم بمأرب يقال له ( عُمان ) فشبهوها به ، و من أقدم المؤرخين الرومان الذين ذكروا ( عُمان ) بهذا الاسم يلينوس الذي عاش في القرن الأول للميلاد (23 – 79م) فقد ورد في كتاباته اسم مدينة تسمى ( عُمانه، OMANA ) وكذلك ورد هذا الاسم عند بطليموس الذي عاش في القرن الثاني للميلاد، ويظن جروهمان أن ( عُمانه ) المذكورة عند هذين المؤرخين هي صحار التي كانت تعد المركز الاقتصادي الأكثر أهمية في المنطقة في العصر الكلاسيكي .
فاسم ( عُمان ) يعود لعصور تاريخية قديمة فقد ذكرها ابن خلدون و كان واضحاً في تعريفه لها ، فقد ذكرها في جملة الأقاليم العربية التي ظهرت كدول مستقلة في جزيرة العرب و هي : ( الحجاز ، اليمن ، حضرموت ، الشحر و عُمان ) ، و يدل نسب تسمية ( عُمان ) إلى وادي في اليمن أو قبيلة يمنية على قدم الهجرات العربية المتتالية من اليمن إلى ( عُمان ) " .
فعُمان كانت و ما زالت ممر تجاري مهم و حيوي كما تشتهر بالحلوى العُمانية و اللُبان العُماني و الليمون العُماني و لا ننسى أبداً ذِكر شهرتها حديثاً ببطاطس عُمان ( chips oman ) و حاكمهم جلالة السلطان قابوس باني نهضة عُمان ففي عهدهِ شهدت عُمان نهضة عمرانية واسعة.
فما سبق ذِكرهُ معلومات عامة غير متعمقة و لا تحتوي على الكثير من الأحداث الجديدة فما سبق كلهُ يحكي عن تاريخ عُمان و ما تشتهر به أرض السلطنة .
و بحكم طبيعتنا الإنسانية الفضولية و ما جُبِلنا عليه من حب لزيادة معارفنا و معلوماتنا عن الدول المجاورة لدولتنا فما ذُكر لا يكفي لإتمام قصتي عن عُمان الأصالة .
و خير ما سأبدأ به تتمة القصة هو حديث رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه و سلم - عن نُبل أخلاق أهل عُمان و هذا الحديث صحيح رواه الصحابي الجليل أبو برزة رضي الله عنه فيقول :
" بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، فَسَبُّوهُ وَضَرَبُوهُ ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ أَهْلَ عُمَانَ أَتَيْتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ " رواه مسلم (رقم/2544) و فسر القرطبي - رحمهُ الله - هذا الحديث بإختصار فقال : " يعني : أن أهل عُمان قوم فيهم علم ، و عفاف ، و تثبت ، و الأشبه : أنهم أهل عُمان التي قِبَلَ [أي : ناحية] اليمن ؛ لأنهم ألين قلوباً ، و أرق أفئدة ، مِن : عَمَّنَ بالمكان : أقام به " " المُفهِم لِما أُشكِل من تلخيص صحيح مسلم " (6/501) و هذا الحديث ستجدهُ مُستخدم بشكل دائماً في وفد إستقبال السياح بمطار مسقط فحين وصولك للمطار سيستقبلك الوفد و سترى الحديث برفقتهم مكتوب على لوحة كبيرة .
و لا تكتمل القصة إلا بالشعر الفصيح فسنجد فيه قصيدة في غاية الجمال و الروعة عن وصف صلاله للشاعر : ماجدالراوي من ديوانه :( شموس القوافي ) يقول فيها :
" يا أيهـا السـاري لأرض (عُـمـانِ)
عبـر الفـلا يـحـدو مــع الركـبـانِ
أبلـغ سلامـي أرضـهـا و سمـاءهـا
رمــز الاصـالـة طيـلـة الأزمـــــانِ
في بحرها الممتـد فيـض سماحـة
و جبـالـهـا عـــزٌّ رفـيــع الــشــان
بسمائهـا لمـع الكـواكـب لـلـورى
و ترابـهـا مـسـكٌ مـــع الـريـحـان
سـبـعٌ أعـاجـيـب الـدنــى لكـنـهـا
بـ (صلالة ) الحسن العميم ثمان
الروح تؤمن حين تبصـر حسنهـا
عـنـد الأصـيـل بـقـدرة الرحـمـن
و الشمس تنثر حول هالـة و جههـا
عنـد الـغـروب شقـائـق النعـمـان
و الطير تصدح في السهوب كأنما
( إسحـق ) جــاد بـعـوده الـرنـان
و بيوتـهـا فــوق السـفـوح كـأنـهـا
غـيـدٌ إلــى الأفــق البـعـيـد روان
وضواحك الأزهار تغسل وجههـا
بـالـطـلّ و هـــو يمـسـهـا بـحـنـان
بل فوحها في الـروض راحٌ دافـقٌ
لــم يُـحـوَ فــي كــأسٍ ولا بـدنــان
و لقـد تـرى بــدر السـمـاء بأفقـهـا
متبـسـمـاً فـــي أكـثــر الأحـيــان
و تـرى النـجـوم محلّـقـاتٍ حـولـه
فـكـأنــه مــلــك بــوسْــط قــيــان
فــوحٌ و رَوْحٌ و الخمـائـل و الـنـدى
و الـمـاء جـــارٍ و الـقـطـوف دوان
الخلـد جنّـاتٌ تَــأرَّجُ فــي السـمـا
و ( صلالـة ) فـي الأرض خـلـدٌ ثــان
قـد هـاج أشواقـي إلـى فردوسهـا
هـمـس النسـيـم و خفـقـة الأفـنــان
يا أيـهـا الـركـب الميـمـم أرضـهـا
أبـلــغ تحـيـاتـي لأرض ( عُــمــان ) " .
و دعونا الآن نحكي عن الأمن و الأمان في عُمان فمن شدتهِ ينام العُمانيون في بيوتهم و الأبواب مفتوحه ، دائماً و أبداً يقول كـبار السن لزوارِ عُمان : " لا تخافوا أنتم في عُمان ، نحن ننام في بيوتنا و أبوابنا مفتوحة " .
فهم شعب خلوق ، طيب ، محترم و كريم ، كما تتمتع دولتهم ببنية تحتية جبارة و ممتازة ناهيك عن جمال العُمران بها و مُحافظتهِ على الطابع المعماري العُماني البديع المشهور منذ الأزل بروعتهِ و سِحره ، و لا ننسى مدى تمسك العُمانيين بتراثهم الأصيل ذالك الموروث الشعبي ذو العبق الأصيل ، فهم أمة تفتخر بماضيها و تعمل بجد لمستقبلها الباهر المشرق .
و دعونا الآن نختم قصتنا بتاج الحكاية و تمامها و هو مدى تمسك العمانيين بنبذ الطائفية و العنصرية المذهبية ، عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ : يَا لَلْأَنْصَارِ !! وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ : يَا لَلْمُهَاجِرِين فسمع ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : ( مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ ؟ ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ .
فَقَالَ : ( دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ ) _ رواه البخاري و مسلم - هم فعلاً تركوها و عاشوا في سلام و أمان و تعاون و حب ( سنة ، شيعة و إباضة ) عاشوا في أرض السلطنة بلا مشاكل أو خلافات و لم نرى في دولتهم تفجبرات مساجد فهم آمنون في بيوت الله و نفوسهم خاليه من الطائفية و العنصرية المذهبية ، و لديهم أيضاً ( مسيحية ) فالعمالة الوافده لبلادهم من ضمنها من يتبع الدين المسيحي و مع ذلك لم تظهر أي مشاكل أو خلافات أو نزاعات دينية فعاشوا أيضاً مع المسيح بهذا السلام و الأمان و التعاون و الحب ، صانوا حدود الله فزادهم الله أمناً و أماناً في جميع أمورهم الحياتية .
يا عُمان السلام و الخير علمينا كيف نعيش بسلام ؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق